اغتيال العقل: محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية
الكاتب : -

أعلن صعود الهيمنة الأوروبية، والغربية عامة، في العالم أجمع، نهاية المدنيات الكلاسيكية، وبداية تحلل بنياتها الأساسية، وأدخلها في أزمة تاريخية طويلة مادية وروحية، ولم تكن المدنية العربية بمعزل عن هذه الهزة التاريخية، بل كانت في قلبها. وقد أدى تأكد الغلبة الجديدة العسكرية والحضارية منذ القرن الثامن عشر إلى تحلل أكبر إمبراطورية إسلامية تدريجياً وتطاير أشلائها، في مطلع القرن العشرين، في كل الاتجاهات. لقد نخرت هذه الغلبة الأسس الثابتة والتقليدية للهيمنة الداخلية والسلطة الاجتماعية، وأفقدت نظمها القائمة، الاقتصادية والعقلية، فاعليتها وتأثيرها.
لذا وفي إطار البحث عن توازنات جديدة عقلية وسياسية واقتصادية منذ انهيار السلطنة العثمانية، وبحافز مقاومة التحلل الكامل والتلاشي تحت ضغط المرحلة الاستعمارية التقليدية، حاولت الجماعة العربية في نهاية القرن الماضي وحتى منتصف هذا القرن محاولات متعددة لإعادة تكوين عناصرها ولحمها وتشكيل نفسها كمدنية فاعلة ضمن الحضارة الجديدة، أي كذات مستقلة وعاملة.
إلا أن هناك قناعة صحية اليوم بأن حصاد العقود الثلاثة الماضية كان ضعيفاً جداً في قطاعات رئيسية من التجربة الحضارية. فلم يحصل أي تراكم نوعي وجدّي في ميدان الخبرة الصناعية والتكنولوجية، ولا في ميدان البحث العلمي التطبيقي والأساسي، الطبيعي والإنساني، ولا في بناء الدولة القومية المعبرة عن إرادة الجماعة والمجسمة لها، ولا في تنظيم السلطة الاجتماعية والقانونية وهيكلة المجتمع المدني.

كافة الحقوق محفوظة لحوار الثقافات