بابا نويل وما يرمز إليه

بابا نويل وما يرمز إليه

 

يهتم الداعون لكل واحدة من الديانات المختلفة على وجه الأرض ، بتبني مؤثر يتوقعونه فعّالاً في جذب الناس لما يعتقدونه ، ويتفننون في الأساليب التي يخيل إليهم أنها تربط الآخرين بوشيجة النحلة التي يتحمسون لها . وكل منهم يحسب نفسه على الحق -عدا المسلمين - ويدافع عن باطله بما يتوقعه معيناً في تحقيق ما يصبو إليه ، ولفت النظر لما يعتقده .

فالنصارى مثلاً الذين طغى عليهم الجهل ، كما جاء في تفسير سورة الفاتحة بأن : الضالين هم النصارى يعبدون الله على جهل وضلال  .

وفي حديث عدي بن حاتم بعد ما أسلم وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة :  اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ  قال : يا رسول الله: إنا لسنا نعبدهم ،

قال " أليسوا يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتحلونه " ؟ قال : بلى ، فقال صلى الله عليه وسلم : فتلك عبادتهم  .

فهذه الفئة وجد الأدعياء والكذابون مدخلاً إلى نفوسهم ، باسم العاطفة الدينية ، لرقة قلوبهم ، وغلبة الجهل عليهم .

واغتنم الفرصة كل دعي ، وصاحب هدف ليضل الصغار قبل الكبار ، ومن هنا كثرت في بيئاتهم ما يريدون به ربط قلوب الصغار لمعتقد بابا نويل ، باسم الخوارق والإتيان بالمعجزات ، حيث جسم شكله أمامهم كدمية يلعب بها الصغار ، وتهدى مع رأس السنة الميلادية ، وترسيخ هذا الزائر كشخصية ذات بال لا تأتي إلا مع عيد الميلاد لتحمل الهدايا ، وتفد بكل ما يوعد به هذا الصغير ، والصغار إذا وعدوا بشيء تعلقوا به ، ورسخ في قلوبهم ما يرتبط به .

وعندما يحين ذلك الموعد يكون السعيد منهم من يرى هذا الموعود ، الذي يتخيلون أوصافه شيخا كبيرا بلحيته الكثة البيضاء التي ترمز للجو البارد لأنه يأتي متدثرا بملابسه الثقيلة ، مع السنة الجديدة في مطلع شهر يناير من كل عام ، وهذا الموعد يقترن بتاريخ ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ، أي 25 ديسمبر ، وبداية السنة الجديدة 1 يناير وهو شدة البرد في فصل الشتاء ، وتكاثر سقوط الثلوج في ديارهم الباردة .

ولما كان كل شيء له قداسته في قلب الصغير يسمونه بابا ، كالأب ورجل الكنيسة والرجل المسن وكبير أساقفة الكنيسة .

فإن بابا نويل ، الشخصية الأسطورية ، يلتف الأطفال حوله ليلاطفهم ويقص عليهم حكايات خيالية عن المولد وما يقترن بعقيدة التثليث ، الذي أبان الله جل وعلا في كتابه الكريم عن تكفير من يعتقد ذلك ، وبما قالوه على الله جلت أسماؤه وتقدست صفاته ، من أمور شنيعة تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا . وشخصية بابا نويل ، لم تكن واحدة تتنقل ، وإنما هي في كل مكان موجودة ، حيث يحرص رهبان الكنائس على تهيئه أشخاص من الدعاة لنحلتهم ، والمتشبعين بتعاليم عقيدتهم ليؤدوا هذا الدور ، بملابس وأشكال موحدة لتكون الصورة المرتسمة في أذهان الصغار ، سواء كانت مباشرة ، أو عن طريق وسائل الإعلام ثابتة .

وهذا شبيه بما ينميه بعض الصوفية في بيئات إسلامية ، عن الخضر عليه السلام ونزوله : نوعية في اللباس وتوقيتا زمنيا . ولعل الفرق الصوفية قد أخذوا هذا المنهج من النصارى مثل كثير من العادات التي سرت بالعدوى والتقليد ، نتيجة لضعف الفقه بشرع الله وقلة الوازع الديني .

ولما كان الصليب يتربع على صدر بابا نويل ، كجزء من العقيدة التي يراد ترسيخها ، فإنه يروي للأطفال بعضا من الحكايات المتعلقة بما تدعو إليه النصرانية ، منها ما ينسب إلى قسطنطين قيصر الملك بن هيلانة ، الذي كثر عدوه ، وكاد ملكه يذهب باختلاف رعاياه وأنصاره من الروم عليه ، فأراد أن يحملهم على شريعة ينظم بها مسلكهم ، ويؤلف فرقتهم فاستشار من لديه من أهل النظر ، فوقع اختيارهم على أن يتعبد القوم بطلب دم ليكون ذلك أقوى لارتباطهم معه ، وأوكد لجدهم في نصره ، فوجدوا اليهود يزعمون أن في بعض تواريخهم خبرا عن رجل كان منهم وفيهم ، هم أن ينسخ حكم التوراة ، وينفرد بالتأويل فيها ، فعمدوا إليه وهو في نفر ممن المطلوب فيهم فصلبوه ، وما عندهم تحقيق بكونه ذلك المطلوب بعينه ، إلا فقدهم إياه من حينئذ .

وهذه الحكاية قد تفتق عنها حيلة من قسطنطين المذكور ، حيث عمد إلى من وجد من أمة عيسى عليه الصلاة والسلام وقد اختلفت دعاويها بعد المسيح بأربعين سنة ، والتفت إليهم غير محسوسين في الأرض ، لا يظفر بواحد منهم إلا قتل ومثل به ، فاستخرج قسطنطين ما تبقى من رسم الشريعة التي بأيدهم ، وجمع عليه وزراءه فأثبت ما شاء ، وما رآه موافقا لاختياره كالقول بالصلوبية ، ليتعبد قومه بطلب دم ، والقول بترك الختان ، لأنه شأن قومه ، ثم اختلق رؤيا قال : إنها حدثت له في منامه ، وذلك أول شيء أظهره من هذا الأمر فجمع أنصاره ورعاياه من الروم ، وذلك بعد المسيح بمائتين وثلاث وثلاثين سنة ، وعلى رأس سبع سنين من مدة ملكه فلما اجتمع إليه أنصاره ورعاياه ، ذكر لهم أنه كان يرى في منامه آتيا أتاه ، فيقول له : بهذا الرسم تغلب ، ويعرض عليهم هيئة الصليب ، فأعظمت ذلك العامة ، وانقطعت لما سمعت منه ، ولكي يمكن رؤياه هذه ، فقد بعث إلى امرأة في عصره كاهنه ، وكانت ذات بأس وقوة ، فشهدت له أنها رأت مثل ما رأى ، فقوي تصديق العامة ، فأخرج الصليب من موقع كنيسة الغمامة بالقدس وجعله شعارا من ذات الوقت .

وفي كتب الحوار مع النصارى والرد عليهم نماذج من تلك القصص الخرافية . والحكايات الخيالية ، التي تتكرر مع أسطورة بابا نويل تمثيلا وحوارا . . في وسائل الإعلام المختلفة ، وفي أماكن أخرى ، ثم على هيئه قصص تتناقلها الأمهات لأولادهن ، ويلتئم شمل الصغار في حلقات مع العجائز لتقترن بهذا الاسم ، وفي هذا الوقت الذي يرونه موسما دينيا ، يقصدون فيه إشعال الجذوة في النفوس كل سنة ، يساعد على ذلك الجو البارد والإجازات ، حيث يلتئم الجمع أمام المدافئ للتلقي ، ومن ثم تزجية الوقت من أي مصدر جاءت : قصصا يعاد قراءتها ، وحكايات تسترجعها العجائز من الذاكرة ، ووسيلة إعلامية تتحدث بلسان هذه الأسطورة الموسمية : بابا نويل الذي لا يأتي له ذكر إلا في هذا الموعد السنوي .

فيكون من ذلك ما يلبي رغبات النفوس الصغيرة ، ويؤصل جذورا يريدونها أن تبقى متمسحة لهذا المعتقد ، لربطه بأمور محببة للقلوب ، من هدايا ووعود طيبة ، وأمنيات مرغوبة ، وانتصارات في مواقف ، وإشاعة للمحبة بين الناس . علاوة على رغبتهم بتصدير هذه البضاعة لأطفال المسلمين لجذبهم للنصرانية ، كجزء من مهمة التبشير ، ولذا تأثر بهم بعض المسلمين الذين ينقصهم الوعي والإدراك وكثر من يدعي منامات مماثلة في المجتمع الإسلامي ، ولعل هذا من تلبيس الشيطان مستغلا الكذابين وضعاف الإيمان ليبث بواسطتهم قصصا تخلخل مكانة الإيمان من النفوس المسلمة ، هذه الأمور ، وتلك الحكايات كثيرة جدا ، وامتلأت بها بطون الكتب ، بين تأييد حسب المعتقد ، وإنكار في سبيل الرد عليها ، وتوضيح زيفها .

 

وأذكر في هذا الموقف بعضا من تلك الحكايات الخرافية ، والأمور التي يراد ترسيخها على أنها معجزات من رجال هذه النحلة العقدية على مر العصور حيث ذكر أحمد بن عبد الصمد الخزرجي المتوفى عام 582 هـ الموافق لعام 1186 م في حواره مع أحد القساوسة ضمن رسالة سماها : مقامع الصلبان . . وهو في الأندلس ، بعدما تخلص من سجنهم ، وكان عمره 22 عاما ، فبعث بهذا الرد الذي يشمل محاورة ونقاشا مع ذلك القس الذي كان يريد تحويله عن عقيدة الإسلام .

وقد أبان في ذلك الرد قصصا منها قوله : -

1 - في ليلة النصف من شهر أغشت يعظمون تلك الليلة تعظيما شنيعا إلى اليوم وسبب ذلك ما يصفه قساوستهم للناس ، في قصة أسطورية عن نزول مريم من السماء ، على دون أذفونش بجامع طليطلة ، وأنها كست رأسه بتحلية ، وجسمه بثياب  .

2 - وما يروونه من روايات يدعونها في زيتونة وادي آش ، ويزعمون في توقف أرض شنت دمنقة ، ووادي بسطر ، والنور الجديد في عيدهم ، والنور الذي ينزل ببيت المقدس ليلة رأس السنة إلى غير ذلك من الهذيانات والمخاريق التي لا تجوز إلا عليهم ، ولا يتعبد بها من جهال العالم غيرهم  .

3 - وأنهم يحدثون الناس بنماذج من القصص التي تعتمد على الحيلة ، بحجة أنها من المعجزات ، فتنطلي على البسطاء حيث قال : وصف لي عن صليب في بعض مشاهدهم المعظمة عندهم ، يمشي إليه الناس ليعجبوا منه ، وهو واقف بين السماء والأرض لأن الحديث عنه في الكنائس متواتر للسيطرة على العقول فسأل أحد رؤسائهم عنه يهوديا كان كاتبا له ، فقال تؤمنني وأعلمك السر ، قال : نعم فقال : إنها حيلة ، فاستكشفه إياها ، فقال : إن ذلك الصليب الذي يظنه الناس معلقا ، تمسكه أحجار المغناطيس من جهاته الأربع ، فأمر الرئيس أن يخلي له المكان يوما ، لينفرد بهذا المشهد ، فدخل وحده ، وأمر بحفر جانب واحد من الحائط ، فاستخرج منه حجرا من المغناطيس موازيا للصليب ، فمال إلى جهة واحدة ، ثم استخرج مثله من الجانب الثاني ، فاضطرب الصليب ، وفهم الرئيس الأمر ، وانصرف  .

4 - وذكر عن بعض مشاهد النصارى المعظمة عندهم حكاية تقول : إن يد الله تخرج لهم في يوم واحد من السنة من وراء ستر ، يرونها عيانا ، وكانت جزءا من المعتقد ، فحكى أن رجلا ممن أبغض النصرانية بعد أن عرف أساليب رجال الكنيسة ، اعتنق دينا آخر ، وكان قد حظي عند بعض رؤساء النصارى بالأندلس ، لوصلة كانت بينهما يرعاها الرئيس ، وفي مجيئه يوما إليه ، رغب إليه الرئيس أن يعود للنصرانية لأنها دينه ، وبدأ يوضح مزاياها ، وأسرارها من واقع القصص التي تأصلت في ذهنه ، وقال له ألا ترى الأعجوبة ظهور يد الله لنا في يوم معلوم من السنة ، لا يكرم بها أحد غير النصارى ؟ فقال له الرجل : لقد رضيت في هذا الأمر بشهادتك ، وصدقتك عليه ، فابحث عنه فإن كان ما يزعم هؤلاء القسيسون حقا ، فسوف أعود إلى دينك ، فخالط الرئيس الشك ، فلما دنا ذلك اليوم ، الذي تظهر فيه اليد ، سافر بنفسه نحو المشهد ، وقرب مالا يهديه هناك ، فبدر إليه الأساقفة ، وقربوه لتقبيل اليد .

فلما ظهرت اليد له من وراء الستر ، وضع يده فيها وأمسكها بشدة ، فصاحوا به يقولون : اتق الله الآن تخسف بك الأرض ، والآن تقع عليك السماء ، الآن ترسل عليك الصواعق فقال : دعوا هذا عنكم ، فإن هذه اليد لا أحل يدي عنها ، حتى أعلم أحقا ما تصنعون فيها أم باطلا ؟

فلما رأوا إلحاحه لم يبق منهم إلا اثنان ، وهرب الباقون ، فأسرا إليه القول ، وقالا : ما تبغي من ذلك ، أصبوت عن دين آبائك ؟ قال : لا ، قالا : أتريد أن تحل رباطا منذ ألف سنة ، أو نحوها ، قال : لا ، معاذ الله ، ولكني أريد أن أقف على سر هذه اليد ، قالا : هي يد أسقف دون الستر واقف ، قال : أحب أن أراه ، قالا : أنت وذاك . فكشفا الستر فرأى قسا مجرود الخدين ، موقفا وراء الستر ، فلما عاينه الرئيس أرسل يده وخرج إلى عسكره . فقال للرجل : ماذا تأمرني به الآن في ديني ، بعدما عاينت الأمر بنفسك ؟ فقال : رأيك خرجت منه ففهم الرجل وسكت  .

وغير هذا من القصص التي هي من مهمة بابا نويل لترسيخها في الناشئة ، وتأصيل مكانة القساوسة الذين يمثلهم بابا نويل حتى لا يكذبهم أحد ، ولا يناقشهم مناقش ، لأن تعاليمهم تقضي بالطاعة العمياء ، والأخذ بدون نقاش .

وبكل أسف سرت عند كثير من أصحاب الطرق الصوفية وغلاتهم نماذج من هذه القصص مع تحوير في دلالة الصليب إلى أمور تنطلي على بعض المسلمين وذلك مع غياب الوعي لتعاليم الإسلام فأفسدوا عليهم دينهم بأمور ما أنزل الله بها من سلطان . ولذا فإن دور المسلم يجب أن يركز على نبذ هذا التقليد الذي يجر لما هو أبعد من كونه يهدف لتسلية الصغار وإيناسهم ، مع عدم السماح بإظهار مثل هذا في البيئات الإسلامية ، حتى لا يرسخ هدفه في أذهان أطفال المسلمين ، فيكبر معهم ، ليباعدهم عن دينهم الحق ، ويصدهم عن مصادره الصافية الصادقة التي لا يتطرق إليها الشك أو التأويل ، لأنها من الله ، وما كان من الله فلا مراء فيه ولا جدال .

 

جزء من بحث منشور في مجلة البحوث الإسلامية "عادات وافدة يجب الحذر منها" بقلم: د. محمد بن سعد الشويعر

كافة الحقوق محفوظة لحوار الثقافات